Friday, March 11, 2011

بروتوكولات كحماء صهيون


بسم الله الرحمن الرحيم


     أحمد الله أولا , حمداً كثيرا متوالياً , و إن كان يتضائل دون حق جلاله حمد الحامدين , و أصلي و أسلم على رسله ثانياً  , صلاة تستغرق مع سيد البشر سائر المرسلين , و أستخيره تعالى ثالثاً فيما انبَعَث له عزمي بتحرير مجموعة من المقالات لتيسير فهم الغافلين عن نوايا المفسدين , و أنتدب لقطع تعجبك رابعاً أيها العاذل المتغالي في العذل من بين زمرة الجاهلين , المسرف في التقريع و الإنكار من بين طبقات المنكرين الغافلين .

    ولعمري إنه لا سبب لإصرارك على التكبر إلا الداء الذي عم الجم الغفير , بل شمل الجماهير من القصور عن ملاحظة ذروة هذا الأمر و الجهل بإن الأمر إدٌ و الخَطبُ جد و الآخرة مقبلة و الدنيا مدبرة و الأجل قريب و السفر بعيد و الزاد طفيف و الخطر عظيم و الطريق سد .

    إن الأحوال التي تمر بها الأمة أحوال لا ينبغي الإطمئنان لها أبدا و  الأمر خطير يصل لأقصى درجات الخطورة لا يدركه إلا القليل من العارفين المتيقنين , فمراحل الفساد و الدني الأخلاقي التي نراها اليوم ليست الا غاية و طموح إبليسي ينتقم بها من أمة محمد التي لا نجاة للبشرية دونها. فالعرب هم مادة الإسلام إن انتُهِكَت اخلاقهم انتهك الاسلام.

إعلم أيها القارء أننا نعيش في ما بعد المصطفى صلوات الله عليه و سلامه بما يقارب الألف و أربع مائة سنة , و قد قال عليه الصلاة و السلام ((ويل للعرب ! من شرٍ قد اقترب ، من فتنة عمياء صماء بكماء ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، ويل للساعي من الله يوم القيامة))  فوالذي نفسي بيده ما من زمان بعده صلوات الله عليه أغرب للإسلام من هذا الزمان , و ما من دهشة تصيب المبصر أدهش مما ترى أعيننا و تسمع آذاننا و تخالط أجسادنا , فلعل الراشد يعي ما نص عليه نبينا عليه الصلاة و السلام من خطر تلك الفتنة و لكنه لايدركها لأنها عمياء لا ترى و صماء لا تسمع و بكماء لا تنطق فتقول ها قد أتيت لأضلكم . 

ولكن ما من فتنة إلا و لها يد قائمة عليها, فما من شيء إلا وله سبب و ما من سبب إلا و له مسبب ,  و ما من شيء ينفع إبن آدم إلا و يكون من ربه و ما من شيء يضره إلا و يكون قد ضر نفسه بيده لقوله سبحانه ((ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)) , فإعلم أن كل ما يحدث في الأرض من فساد و دمار فهو من أيدي بشرية , فقد تكون أحيانا أخطاء غير متعمدة و ذلك وارد جداً لأن إبن آدم من أطباعه الخطيئة , ولكن عندما تكون جميع الأخطاء نابعة من نفس المصدر تسحب العالم الى هاوية مظلمة محددة و بنفس الوقت تدلي منافعها لذات المصدر نفسه. 

ربما عند قراءتك للفقرة السابقة يتسنا لعقلك إتهام فئة من البشر بتسمية ما أو بشكل ما أو بأوصاف معينة حسب ما تتخيلهم , و تغير رأيك أحيانا و تتهم غيرهم , و تصرف النظر أحيانا فلا تلم أحدا , و تتخبط ذات اليمين و ذات الشمال من فكرة إلى فكرة , و لكن أريد منك أن تتوقف عن التفكير لوهلة , و تخرج معي إلى خارج الإطار الدنيوي و نتذكر قصة خلق سيدنا آدم و عصيان أبليس لربه لعدم سجوده لأبينا آدم عليه السلام , قال الله سبحانه و تعالى لإبليس ((وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّين)) فقال إبليس ((قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)) و هذا يدل على نية تربص إبليس لبني آدم و تخطيطه لهم , ثم قال له رب العالمين ((قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ))((إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)) أي لك ما طلبت إلى نهاية فترة الإختبار يوم القيامة , فقال إبليس بكل كره عن نده اللدود آدم و بنيه ((قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)) و هنا يتجلى الغبار عن المتهم الأول , أي أن كل ما يحدث من فساد في الأرض و دمار و تعدي على حدود الله هو من قبل تخطيط عبقري خبيث لا يستوعبه إنسان غير متيقن و لاهٍ في دنياه الزائلة و إن ما يحدث من إنحراف لهاوية مظلمة لا يدل على أخطاء عشوائية بل يدل على تدبير خبيث و لعين , فهنا الخبر بأن إبليس يخطط لهلاكنا , لكن تخطيط دون فعل لا يوصله الى مراده , فهل من  عمال له ؟ هل من خدام له ؟ هل يمكن لبني آدم أنفسهم خدمته ؟ لقد سيطر إبليس على الكثير من ضعاف النفوس و ملئ قلوبهم شراً و ذلك يتبين لنا من ما قص علينا القرآن الكريم من أخبار الأنبياء و الرسل الذين أتوا بالآيات لأقوامهم فكذبوهم و إتبعوا أهواءهم بإغواءٍ شيطاني , فصاروا بذلك العصيان أولياء الشيطان, لم يكتفوا بالكفر بل ضلوا و أضلوا البشرية بأخذهم علم أنبياء الله و صاروا يحرفون به بعكس ما يؤمرون به , فتخلفت الأمم و فسد العالم بكفرهم و كبرهم على المتكبر سبحانه الذي فضلهم على العالمين و أعطاهم مسؤوليةً فبطروا بها فأصبحو نادمين , أولياءً لإبليس !. 

نجد في زماننا من لا يفقه شيءً في دينه , منشغلاً عنه, متبعا لما تشرعُ له نفسه, منغمسُ في هواه ,غير طالبٍ لما نزل على نبيه ,  ويرى في أمور العامة و ينظر و يحلل و يستنكر وجود أي نوع من المؤامرات و إن ما  يحدث من فساد ما هو إلا جهل البشر لعلم الإجتماع و قلة تفقههم بالديموغراطية ! , أخي المثقَّف الحائر : إن كنت مسلما فإنك تؤمن بما ذكرت مسبقا من آيات لله و مدركا لنية إبليس بسبق الإصرار و الترصد , فكيف له أن يتربص دون أن يخطط ؟ و كيف يعمل دون حلفاء من جنسه و جنسنا ؟ كيف تنكر و أنت تعلم أن هناك أعداء لله في الأرض ؟ أليسوا أعداء الله أعداؤك ؟ أليس عدوك يدبر لهلاكك ؟ أم أنك تضن أنها أمور تاريخية قد يتم مناقشتها و حلها سلميا و نحن في عصر التطور الفكري و الحوار الراقي الأكاديمي, أم أن فهمك للسلام أن نعيش بهذا راضين عنهم و يرضون عنا ؟ ألم تعلم أن رسولك الكريم يقول :((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه ، وحسابه على الله)) ؟؟؟!!! عزيزي المنكر، أقدر لك جهدك الاطلاعي في المسألة ولكنني لا ألوم قصر فهمك و هناك من هو أكبر منك ليلام و هم رؤساؤك و أشراف الأمة العربية الذين تواطؤا حتى أوصلوك لما انت فيه من الجهل، و يسرني ان اقول لك ان هناك مؤامرة صهيونية غرضها إفساد العالم لسيادته ,  أفلا يكفيك هذا بالتخلي عن إصرارك الجاهل ؟ و إن كنت لا تحب مصطلح المؤامرة الصهيونية بما أنك حاربته و هاجمته سنواتٍ طويلة , فلا تجزع , سأسميها مؤامرة الشيطان و أعوانه البشر و لا يمكنك إنكارها الآن ! 

قال الله عز و جل ((أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٧٦) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٧) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٧٨) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ )).


في أثناء الحيرة التي مررت بها في تدبر احوال فساد الأرض و اسباب الانحلال البشري عثرت على كتاب قيم فيه من الكلام ما تقشعر له الأبدان من البشع و الجشع و فيه ما يناقض دائما شريعة الرحمن , و ما يتناغم مع الأحداث الواقعة الأليمة , فسنتناول بإذن من الله عز وجل أهم ما في الكتاب من المترجمات العبرية المسربة سنة 1901 من المؤتمرات اليهودية الصهيونية التي تنعقد في فرنسا , و قد تسربت هذه المستندات من قبل سيدة فرنسية من أصحاب النفوذ العالية هناك , و قصتها مشروحة بدقة و عناية بالأسماء و التواريخ في هذا الكتاب الذي ترجم لأول مرة من العبرية إلي الروسية ثم بعد فترة إلى الإنجليزية ثم أخيراً الى العربية , و تم شرح قصة هذا الكتاب من المحاربات الاعلامية و إخلاءه من المكاتب وما إلى ذلك , فليس حديثنا عن هذا فحسب , بل سنتناول ما قد ترجم من خطط إستراتيجية صهيونية لإحتلال العالم و تدميره و إفساده و بقاء السيادة العليا لديهم بإنفراد مما يحقق رغبة إبليس الذي توعد بها .

و مما زادني شغفاً للإهتمام بهذا الكتاب هو ثناء أكبر المفكرين الأفاضل و منهم الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد الذي قدم الكتاب بمقدمة مؤثرة و مفزعة , فنسأل الله عز و جل أن ينفعنا بما نحن عليه و أن يلهمنا حكمة و علما لنهتدي اليه بفضله .

                                                                                                    طارق القائد







                                                  بروتوكولات حكماء صهيون

نحن اليهود لسنا إلا سادة العالم ومفسديه. ومحركي الفتن فيه وجلاديه".

(الدكتور أوسكار ليفي)




 تقديم الأستاذ الكبير / عباس محمود العقاد 

     ظهرت أخيراً في اللغة العربية نسخة كاملة من هذا الكتاب  العجيب: كتاب "برتوكولات حكماء صهيون".

ومن عجائبه أن تتأخر ترجمته الكاملة في اللغة العربية إلى هذه السنة، مع ان البلاد العربية أحق البلاد أن تعرف عنه الشيء الكثير في ثلث القرن الأخير،وهي الفترة التي منيت فيها بجرائر "وعد بلفور" وبالتمهيد لقيام الدولة الصهيونية على أرض  فلسطين.


    ان هذا الكتاب لا يزال لغزاً من الالغاز في مجال البحث التاريخي وفي مجال النشر والمصادرة، فقلما ظهر في لغة من اللغات الا أن يعجل إليه النفاد بعد أسابيع أو أيام من ساعة ظهوره، ولا نعرف أن داراً مشهورة من دور النشر والتوزيع اقدمت على طبعه من تكاثر الطلب عليه، وكل ما وصل الينا من طبعاته فهو صادر من المطابع الخاصة التي تعمل لنشر الدعوة ولا تعمل لأرباح البيع والشراء.

ومن عجائب المصادفات على الأقل أن تصل إلى يدي ثلاث نسخ من هذا الكتاب في السنوات الأخيرة: كل نسخة من طبعة غير طبعة الأخرى، وكل منها قد حصلت عليه من غير طريق الطلب من المكتبات المشهورة التي تعاملها.اما النسخة الأولى  فقد أعارني اياها رجل من قادتنا العسكريين الذين يتتبعون نوادر الكتب في موضوعات الحرب وتدبيرات الغزو والفتح وما اليها، وقد اعدتها إليه بعد قراءتها ونقل فصول متفرقة منها.


    وأما النسخة الثانية فقد اشتريتها مرجوعة لا يعلم بائعها ما اسمها وما معناها، وقد ضاعت هذه النسخة وأوراق النسخة المنقولة مع كتب وأوراق أخرى اتهمت باختلاسها بعض الخدم في الدار.


    وأما النسخة الثالثة وهي من الطبعة الإنجليزية الرابعة فقد عثرت عليها في مخلفات طبيب كبير وعليها تاريخ أول مايو سنة 1921 وكلمة "هدية" بالفرنسية Souvernir وكدت أعتقد من تعاقب المصادفات التي تتعرض لها هذه النسخ أنها عرضة للضياع.


    والترجمة العربية التي بين أيدينا اليوم منقولة من الطبعة الانجليزية الخامسة، نقلها الأديب المطلع "الأستاذ محمد خليفة التونسي"،وحرص على ترجمتها بغير تصرف يخل بمبناها ومعناها فأخرجها في عبارة دقيقة واضحة وأسلوب فصيح سليم.


    صدر المترجم الفاضل لهذا الكتاب الجهنمي بمقدمة مستفيضة قال فيها عن سبب وضعه ان زعماء الصهيونيين "عقدوا ثلاثة وعشرين مؤتمراً منذ سنة 1897 وكان آخرها المؤتمر الذي انعقد في القدس لأول مرة في 14 أغسطس سنة 1951، ليبحث في الظاهر مسألة الهجرة إلى إسرائيل  ومسألة حدودها ـ كما جاء بجريدة الزمان ـ وكان الغرض من هذه المؤتمرات جميعاً دراسة الخطط التي تؤدي إلى تأسيس مملكة صهيون العالمية، وكان أول مؤتمراتهم في مدينة بال بسويسرة سنة 1897 برئاسة زعيمهم هرتزل، وقد اجتمع فيه نحو ثلثمائة من أعتى حكماء صهيون كانوا يمثلون خمسين جمعية يهودية،وقرروا فيه خطتهم السرية لاستعباد العالم كله تحت تاج ملك من نسل داود" ثم اجمل الأستاذ المترجم ما اشتملت عليه فصول الكتاب من شرح الخطط المتفق عليها، وهي تتلخص في تدبير الوسائل للقبض على زمام السياسة العالمية من وراء القبض على زمام الصيرفة، وفيها تفسير للمساعي التي انتهت بقبض الصيارفة الصهيونيين على زمام الدولار في القارة الأمريكية  ومن ورائها جميع  الاقطار، وتفسير الى جانب ذلك للمساعي الأخرى التي ترمي إلى السيطرة على المعسكر الآخر من الكتلة الشرقية، وانتهت بتسليم ذلك المعسكر الى أيدي اناس من الصهيونيين أو الماديين الذين بنوا بزوجات صهيونيات يعملن في ميادين السياسة والاجتماع.


    وتتعدد وسائل الفتنة التي تمهد لقلب النظام العالمي وتهدده في كيانه باشاعة الفوضى والاباحة بين شعوبه وتسليط المذاهب الفاسدة والدعوات المنكرة على عقول ابنائه، وتقويض كل دعامة من دعائم الدين أو الوطنية أو الخلق القويم.


    ذلك هو فحوى الكتاب وجملة مقاصده ومراميه، وقد ظهرت طبعته الأولى منذ خمسين سنة، ونقلت من الفرنسية إلى الروسية والانجليزية فغيرها من اللغات، وثارت حولها زوابع من النقد والمناقشة ترددت بين الآستانة وجنيف وبروكسل وباريس ولندن وأفريقية الجنوبية، وشغلت الصحافة والقضاء ورجال المتاحف والمراجع، وصدرت من جرائها احكام شتى تنفي تارة وتثبت تارة أخرى، ثم اختفى الكتاب كما قدمنا ولا يزال يختفي كلما ظهر في احدى اللغات.


    ويتقاضانا انصاف التاريخ، أن نلخص هنا ما يقال عنه من الوجهة التاريخية نقداً له وتجريحاً لمصادره، أو اثباتاً له، وترجيحاً لصدقه في مدلوله.


    فالذين ينقدونه ويشككون في صحة مصادرة يبنون النقد على المشابهة بين نصوصه ونصوص بعض الكتب التي سبقت ظهوره بأربعين سنة أو باقل من ذلك في أحوال  أخرى. ومنها حوار بين مكيافيلي ومسكيو يدور حول التشهير بسياسة نابليون الثالث الخارجية، ومنها قصة ألفها كاتب الماني يدعى هرمان جودشي ضمنها حواراً تخيل أنه سمعه في مقبرة من احبار اليهود بمدينة براغ دعي إليها  مؤتمر الزعماء الذين ينوب كل واحد منهم على سبط من اسباط إسرائيل.

    ويعتمد الناقدون ايضاً على تكذيب صحيفة "التيمس" للوثائق بعد اشارتها إليها  عند ظهورها اشارة المصدق المحذر مما ترمي إليه.
أما المرجحون لصحة الوثائق أو لصحة مدلولها فخلاصة حجتهم أنها لم تأت بجديد غير ما ورد في كتب اليهود المعترف بها ومنها التلمود وكتب السنن اليهودية، وغاية ما هنالك أن التلمود قد أجملت حيث عمدت هذه الوثائق إلى التفصيل والتمثيل.

    ويقول الصحفي الانجليزي "شسترتون" A.K.Chesterton في مناقشته للكاتب الإسرائيلي لفتوتش Leftwich أقوالاً مختلفة لتعزيز الواقع المفهوم من تلك البروتوكولات، خلاصتها أن لسان الحال أصدق من لسان المقال، وأن مشيخة صهيون أو حكماء صهيون قد يكون لهم وجود تاريخي صحيح، أو يكونون جميعاً من خلق التصور والخيال، ولكن الحقيقة الموجودة التي لا شك فيها أن النفوذ الذي يحاولونه ويصلون إليه قائم ملموس الوقائع والآثار.

    قال في المجموعة التي نشرت باسم "فاجعة العداء للسامين" ان المارشال "هايج" سمع باختياره للقيادة العامة من فم اللورد "ورتشليد" قبل أن يسمع به من المراجع الرسمية وان بيت روتشيلد خرج بعد معركة واترلو ظافراً كما خرج زملاءه وأبناء جلدته جميعاً ظافرين بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، وأنه لا يوجد بيت غير بيت روتشيلد له اخوة موزعون بين لندن وباريس وبرلين، وبدا كلامه قائلاً: "انني من جهة يبدو لي أن البروتوكولات تستوي روحياً على نفس القاعدة التي استوت عليها فقرات من كتاب التلمود تنزع إلى رسم العلاقات التي يلتزمها اليهود مع عالم الامم أو الغرباء، وانني من جهة أخرى لا اعرف احداً يحاول أن يزعزع عقائد اليهود في دينهم الا كغرض من إغراض التبشير العامة، ولكني أعرف كثيراً من اليهود الذين يعملون على تحطيم يقين الأمم بالديانة المسيحية".

    ونستطيع نحن أن نضيف إلى قول شسترتون أقوالاً كثيرة من قبيلها وفي مثل معناها واستدلالها، فهذا الدولاب الهائل الذي دار على حين فجأة من الآستانة إلى أمريكا إلى افريقية الجنوبية لتنفيذ البروتوكولات شاهد من شواهد العصبة العالمية التي تعمل باتفاق في الغاية،أن لم تعمل باتفاق في التدبير، وهذه الثقة التي تسمح لصعلوك من صعاليك العصابات أن يهدد سفير الولايات المتحدة ويكلفه أن ينذر حكومته بما سوف يحل بها إذا خالفت هوى العصابة، شاهد آخر من شواهد تلك السطوة العالمية التي تملي أوامر على الرؤساء والوزراء من وراء ستار، وهذه الشهوة "العالمية" التي يلعب بها الصهيونيون لاغراء ضعاف الكتاب شاهد آخر من شواهد أخرى لا تحصى، فلم يترجم كتاب عربي قط لكاتب تناول الصهيونية بما يغضبها في وقت من الأوقات.

    ولست أذهب بعيداً وعندي الشواهد من كتبي التي ترجمت إلى الفرنسية والانجليزية، ونشرت فصولاً منها في مجلات مصر وأوربا، فقد توقف طبعها ـ بعد التعب في ترجمتها ـ لأنني كتبت واكتب ما يفضح السياسة الصهيونية.. وقد تحدثت إلى فتاة من دعاتهم في حضرة صديق بقيد الحياة فجعلت تومئ إلى مسألة الترجمة، وتسألني سؤال العليم المتغابيء "عجبي لمثلك كيف لا تكون مؤلفاته منقولة إلى جميع اللغات".

    سألتني هذا السؤال وهي فيما أظن لا تصدق أن الشهرة العالمية على جلالة قدرها شيء نستطيع أن نحتقره إذا قام على غير اساسه وأصبح ألعوبة في أيدي السماسرة والدعاة، فقلت لها: "انبلوتارك قد سبقني إلى جواب هذا السؤال".

    فعادت تسأل: "وماذا قال؟" قلت: "روي على لسان بطل من ابطال الرومان أنه سئل:لماذا لا يقيمون لك تمثالاُ بين هذه التماثيل؟ فأجاب سائله: لأن تسألني سؤالك هذا خير من أن تسألني: لماذا اقيم لك هذا التمثال؟".

    وأغلب الظن بعد هذا كله على ما ترى ان البروتوكولات  من الوجهة التاريخية محل بحث كثير، ولكن الأمر الذي لا شك فيه كما قال شسترفيلد: أن السيطرة الخفية قائمة بتلك البروتوكولات أو بغير تلك البروتوكولات.

                                                                                                       عباس محمود العقاد

----------
سنذكر لاحقا في المقالات المقبلة جميع البروتوكولات و التي يبلغ عددهم اربع و عشرون بروتوكول من البروتوكولات المسربة و التي فقدت سريتها . و سيكون طرحنا لهم على كل مقاله بروتوكول واحد مع توضيحات لمصطلحات أو معاني معينة .

سائلين المولى عز و جل أن ينورنا بنور العلم و يلهمنا حكمة من عنده و يبعدنا عن ظلمات الجهل و ينجينا و لا يكلفنا ما لا طاقة لنا به و أن يرحمنا و أصلي على نبينا محمد و على آله و أسلم تسليما.

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.